فصل: الخبر عن انتقاض عيسى بن الحسن بجبل الفتح ومهلكه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن خروج أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن بجبل السكسيوي ومكر عامل درعة به ومهلكه:

كان السلطان أبو عنان بعد مهلك أبيه لحق به في جملته أخواه أبو الفضل عمد وأبو سالم إبراهيم وتدبر في ترشيحهما وحذر عليهما مغبته فأشخصهما إلى الأندلس واستقرا بها في إيالة أبي الحجاج ابن السلطان أبي الوليد ابن الرئيس أبي سعيد ثم ندم على ما أتاه من ذلك فما استولى على تلمسان والمغرب الأوسط ورأى أن قد استفحل أمره واعتز بسلطانه أوعز إلى أبي الحجاج أن يشخصهما إليه ليكون مقامهما لديه أحوط للكلمة من أن يعتمد على تفريقهما سماسرة الفتن وخشي أبو الحجاج عليهما غائلته فأبى من إسلامهما إليه وأجاب الرسل بأنه لا يخفر ذمته وجوار المسلمين المجاهدين فأحفظ السلطان كلمته وأوعز إلى حاجبه محمد بن أبي عمرو بأن يخاطبه في ذلك بالتوبيخ واللائمة فكتب له كتابا قرعه فيه وقفني عليه الحاجب ببجاية أيام كوني معه فقضيت عجبا من فصوله وأغراضه ولما قرأه أبو الحجاج دس إلى كبيرهما أبي الفضل باللحاق بالطاغية وكانت بينهما ولاية ومخالصة منذ مهلك أبيه الهنشة على جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فنزع إليه أبو الفضل وأجاره وجهز به أسطولا إلى مراسي المغرب وأنزله بساحة السوس فلحق بالسكسوي عبد الله ودعا لنفسه وبلغ الخبر إلى السلطان بين مقدم حاجبه ابن أبي عمرو من فتح بجاية سنة أربع وخمسين وسبعمائة فجهز عساكره إلى المغرب وعقد على حرب السكسيوي لوزيره فارس بن ميمون بن وردار وسرحه إليه فنهض من تلمسان لربيع سنة أربع وخمسين وسبعمائة وأغذ السر إلى السكسيوي ونزل بمخنقه وأحاط به واختط مدينة لمعسكره وتجهيز كتائبه بسفح جبله سماها القاهرة واستبد الحصار على السكسيوي وأرسل إلى الوزير في الرجوع إلى طاعته المعروفة وأن ينبذ العهد إلى أبي الفضل قارقه وانتقل إلى جبال المصامدة.
ودخل الوزير فارس إلى أرض السوس فدوخ أقطارها ومهد الحال وسارت الألوية والجيوش في جهاته ورتب المسالح في ثغوره وأمصاره مثل ايغري وفوريان وتارودانت وثقف أطرافه وسد فروجه وسار أبو الفضل في جبال المصامدة إلى أن انتهى إلى صناكة وألقى بنفسه على ابن حميدي منهم مما يلي بلاد درعة فأجاره وقام بأمره ونازله عامل درعة يومئذ عبد الله بن مسلم الزردالى من مشيخة دولة بنى عبد الواد كان اصطنعه السلطان أبو الحسن منذ تغلبه علهم وفتحه لتلمسان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فاستقر في دولتهم ومن جملة صنائعهم فأخذ بمخنق ابن حميدي وأرهبه بوصول العساكر والوزراء إليه وداخله في التقبض على أبي الفضل وأن يبذل له في ذلك ما أحب من المال فأجاب ولاطف عبد الله بن مسلم الأمير أبا الفضل ووعده من نفسه الدخول في الأمر وطلب لقاءه فركب إليه أبو الفضل ولما استمكن منه عبد الله بن مسلم تقبض عليه ودفع لابن الحميدي ما اشرط له من المال وأشخصه معتقلا إلى أخيه السلطان أبي عنان سنة خمس وخمسين وسبعمائة فأودعه السجن وكتب بالفتح إلى القاصية ثم قتله لليال من اعتقاله خنقا بمحبسه وانقضى أمر الخوارج وتمهدت الدولة إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن انتقاض عيسى بن الحسن بجبل الفتح ومهلكه:

كان عيسى بن الحسن بن علي بن أبي الطلاق هذا من مشيخة بني مرين وكان صاحب شوراهم لعهده وقد كنا قصصا من أخبار أبيه الحسن عند ذكر دولة أبي الربيع وكان السلطان أبو الحسن قد عقد له على ثغور عمله بالأندلس وأنزله يجبل الفتح عندما أكمل بناءه وجعل إليه النظر في مسالح الثغور وتفريق العطاء على مسالحها فطال عهد ولايته ورسخ فيها قدمه وكان السلطان أبو الحسن يبعث عنه في الشورى متى عنت وحضره عند سفره إلى إفريقية وأشار عليه بالاقتصار عنها وأراه أن قبائل بني مرين لاتفي اعدادهم بمسالح الثغور إذا رتبت شرقا وغربا وعدوة البحر وأن إفريقية تحتاج من ذلك إلى أوفر الأعداد وأشد الشوكة لتغلب العرب عليها وبعد عهدهم بالانقياد فأعرض السلطان عن نصيحته لما كان شره إلى تملكها وصرفه إلى مكان عمله بالثغور الأندلسية ولما كانت نكبة القيروان وانتزى الأبناء بفاس وتلمسان أجاز البحر لحسم الداء ونزن بغساسة ثم انتقل إلى وطنه بتازى وجمع قومه بني عسكر وألقى السلطان أبا عنان قد هزم عساكر ابن أخيه وأخذ بمخنقه فأجاب عليه وبيته بمعسكره من ساحة البلد الجديد وعقد السلطان أبو عنان على حربه لصنيعته سعيد بن موسى العجيسي وأنزله بثغر بلاد بني عسكر على وادي بوحلوا وتواقفا كذلك أياما حتى تغلب السلطان أبو عنان على البلد الجديد تم أرسل عيسى بن الحسن في الرجوع إلى طاعته وأبطأ عنه صريخ السلطان أبي الحسن بإفريقية فراجعه واشترط عليه فتقبل وسار إليه فتلقاه السلطان وامتلاء سرورا بمقدمه وأنزله بصدوره وجعل الشورى إليه في مجلسه واستمرت على ذلك حاله.
ولما تمكنت حال ابن أبي عمرو بعد مهلك السلطان أبي الحسن انفرد بخلة السلطان ومناجاته وحجبه عن الخاصة والبطانة أحفظه ذلك ولم يبدها واستأذن السلطان في الحج فأذن له وقضى فرضه ورجع إلى محله من بساط السلطان سنة ست وخمسين وسبعمائة ولقي ابن أبي عمرو بجباية وتطارح عليه في أن يصلح حاله عند سلطانه فوعده في ذلك ولما وفد على السلطان وجده قد استبد في الشورى وتنكر للخاصة والجلساء فاستأذنه في الرجوع إلى محله من الثغر لإقامة رسم الجهاد فأذن له وأجاز البحر إلى جبل الفتح من سنته وكان صاحب ديوان العطاء بالجبل يحيى الفرقاجي وكان مستظهرا على العمال وكان ابنه أبو يحيى قدم برم بمكانه فلما وصل عيسى إلى الجبل اتبعه السلطان بأعطيات المسالح مع مسعود بن كندوس من صنائع دولته فسرب الفرقاجي إلى الضرب على يده شأنه مع ابنه أيام مغيبه وأنف عيسى من ذلك فتقبض عليه وأودعه المطبق ورد ابن كندوس على عقبه وأركبه السفين من ليلته إلى سبتة وجاهر بالخلعان وبلغ الخبر إلى السلطان أبي عنان فقلق لذلك وقام في ركائبه وقعد وأوعز بتجهيز الأساطيل وظن أنه قد تدبر من الطاغية وابن الأحمر وبعث أحمد بن الخطيب قائد البحر بطنجة عينا على شأنهم فوصل إلى مرسى الجبل وكان عيسى بن الحسن لما جاهر بالخلعان تمشت رجالات الثغر وعرفاء الرجل من غمارة الغزاة الموطنون بالجبل وتحدثوا في شأنه وامتنعوا من الخروج على السلطان وتآمروا في إسلامه برمته وخلا به سلمان بن داود من عرفاء العسكر كان من خواصه وأهل شوراه وكان عيسى قد مكن قومه عند السلطان واستعمله على رنده فلما جاهر عيس بالخلعان وركب ظهر الغدر خالفه سلمان هذا إلى طاعة السلطان وأنفذ كتبه وطاعته واشتبه عليه الأمر فندم إذ لم يكن بني أمره على أساس من الرأي فلما احتل أسطول أحمد بن الخطيب بمرسى الجبل خرج إليه وناشده الله والعهد أن يبلغ السلطان طاعته والبراءة مما صنع أهل الجبل ونسبها إليهم فعند ذلك خشي غمارة على أنفسهم فثاروا به ولجأ إلى الحصن فاقتحموه عليه وشدوه وابنه وثاقا وألقوه في أسطول ابن الخطيب وأنزله بسبتة وطير للسلطان بالخبر فخلع عليه وأمر خاصته فخلعوا عليه وبعث عمر ابن وزيره عبد الله بن على وعمر بن العجوز قائد جند النصاري فأحضروهما بدار السلطان يوم منى من سنة ست وخمسين وسبعمائة وجلس لهما السلطان ووقفا بين يديه وتنصلا واعتذرا فلم يقبل منهما وأودعما السجن وشدد وثاقهما حتى قضي منسك الأضحى ولما كان ختم سنته أمر بهما فجنبا إلى مصارعهما وقتل عيسى قعصا بالرماح وقطع ابنه أبو يحيى من خلاف وأبى من مداواة قطعه فلم يزل يتخبط في دمه إلى أن هلك لثالثة قطعه وأصبحا مثلا في الآخرين وعقد على جبل الفتح وسائر ثغور الأندلس لسلمان بن داود إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.